الخلق الحسن

الخلق الحسن

عيادة المريض فيه توثيق عرى المحبة

في كتابِ المستدركِ للحافظِ المحدثِ أبي عبدِ اللهِ الحاكمِ مِنْ حديثِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ أنَّهُ قالَ قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ :" ما مِنْ رجلٍ يعودُ مريضًا مُمْسِيًا إلا خرجَ معَهُ سبعونَ ألفَ ملكٍ يَستغفرونَ لهُ حتى يُصبِحَ وكانَ لهُ مَخْرَفَةٌ في الجنةِ، ومَنْ خرجَ مُصْبِحًا خَرَجَ معَهُ سبعونَ ألفَ ملكٍ يستغفرونَ له حتى يُمسيَ وكانَ لهُ مَخْرَفَةٌ في الجنةِ".
قالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: " ما مِنْ رجلٍ يعودُ مريضًا مُمْسِيًا " أي مَنْ عادَ – زار - مريضًا مُسْلِمًا في وقتِ المساءِ وهو ما بعدَ غروبِ الشمسِ "إلا خَرَجَ معهُ سبعونَ ألفَ ملكٍ حتى يُصبِحَ" يخرجُ معهُ سبعونَ ألفَ ملكٍ يستغفرونَ لهُ حتى يَطْلَعَ الفجرُ، هؤلاءِ السبعونَ ألفَ ملكٍ يستغفرونَ اللهَ لهُ إلى الفجرِ "وكانَ لهُ مَخْرَفَةٌ في الجنةِ" أي يكونُ لهُ بستانٌ في الجنةِ.
وكذلكَ مَنْ خرجَ صباحًا أي بعدَ الفجرِ فإنَّهُ يخرجُ معَهُ سبعونَ ألفًا من الملائكةِ يستغفِرونَ لَهُ حتى تغربَ الشمسُ. فمن بكَّرَ في عيادةِ المريضِ كان ثوابُهُ أعظَمَ فبدلَ أن يذهبَ الظهرَ إذا ذهبَ بعدَ طلوعِ الشمسِ يكونُ أكثرَ فائدةً ونفعًا لَهُ، لأنَّ مِنْ وقتِ خروجِهِ لعيادةِ هذا المريضِ المسلمِ يكونونَ معَهُ فيستغفرونَ لهُ إلى ءاخرِ النهارِ، يظلُّونَ يستغفِرونَ لَهُ إلى ءاخرِ النهارِ.
وكذلكَ الذي يعودُ بعدَ المغربِ اذا بكَّرَ يكونُ أكثرَ ثوابًا فإذا خرجَ لعيادةِ المريضِ المسلمِ من أولِ الليلِ يكونُ أعظمَ ثوابًا مما إذا خرجَ بعدَ ثلاثِ ساعاتٍ أو ساعتينِ من غروبِ الشمسِ.
ثم كلاهما يكسِبُ بهذهِ الحسنةِ وهي عيادةُ المريضِ المسلمِ أنَّهُ يجعلُ اللهُ لهُ بستانًا في الجنةِ والبستانُ في الجنةِ خيرٌ من الدنيا وما فيها. فالدنيا وما فيها لا تُساوي بستانًا واحدًا من بساتينِ الجنةِ التي أعدَّها اللهُ للمؤمنينَ، بل لا تُساوي شجرةً واحدةً من أشجارِ الجنةِ؛ لأنَّه ما من شجرةٍ في الجنةِ الا وساقُها من ذهبٍ ثم ثمارُها غيرُ مقطوعٍ إلى أبدِ الآبادِ. كلما قَطعَ الرجلُ من أهلِ الجنةِ ثمرةً عادَ مكانَها مثلُها، مثلُ هذه التي قطفَها يعودُ مكانَها وهكذا إلى أبد الآبادِ.
ثم الطعمُ لا يُقاسُ بطعمِ ثمارِ الدنيا، وكذلك الرائحةُ لا نسبةَ بينَهما، وكذلكَ حسنُ المنظرِ لا نسبةَ في ذلكَ بينَ ثمرِ الجنةِ وثمرِ الدنيا إنما الاسمُ واحدٌ. هنا يوجدُ نخلٌ "تمرٌ ورطبٌ" ونحوُ ذلكَ، وهناك "تمرٌ ورطبٌ"، وهكذا التفاحُ وهكذا التينُ. كلُّ ثمارِ الجنةِ يتفِقُ مع ثمارِ الدنيا في الاسمِ، أما من حيثُ الطعمُ والمنظرُ والرائحةُ فلا نسبةَ بينَهما. فبهذهِ الحسنةِ وهي عيادةُ المريضِ المسلمِ يُعطي اللهُ تعالى هذا المسلمَ الذي عادَ المريضَ هذا الثوابَ العظيمَ بشرطِ أن تكونَ عيادتُهُ لوجهِ اللهِ. ينوى عندَما يعودُ المريضَ أنَّ اللهَ تعالى شرعَ لعبادِهِ المؤمنينَ عيادةَ المريضِ يقولُ أنا لذلكَ أعودُهُ لا لأنْ يكافِئَني هذا الشخصُ فيما بعدُ إذا تعافى ثم مَرِضْتُ أنا. لا ينوي المكافأةَ ولا ينوي أن يُقالَ عنهُ: "فلانٌ يحفظُ الودَّ والعهدَ". أما الذي يعودُ المريضَ المسلمَ من أجلِ أنْ يُقالَ إنَّ فلانًا يحفظُ الودَّ والعهدَ فهذا ليسَ لهُ ثوابٌ؛ لأنَّ كلَّ عملٍ مِنَ الحسناتِ ليسَ فيهِ ثوابٌ إلا إذا كانت نيتُهُ للهِ تعالى.
هذا العمل الخفيف وهو عيادة المريض المسلم فيه توثيقُ عرى المحبةِ بينَ المسلمينَ، ويتأكَّدُ طلبُها بين ذوي القُربى، وكان رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يعودُ منْ مرِضَ من أصحابِه ويقولُ للمريضِ: كيفَ تجِدُكَ؟ ويدعو اللهَ لهُ ولا يُطيلُ الجلوسَ عندَهُ، فينبغي مراعاةُ هذهِ الأمورِ عندَ الزيارةِ.
هذا العبدُ المسلمُ الذي خرجَ لعيادةِ المسلمِ المريضِ يعطيهِ اللهُ تعالى تكرمًا وتفضلًا هذا الأجرَ العظيمَ، لو لم يكن فيهِ مِنَ الثوابِ إلا استغفارُ سبعينَ ألفًا مِنَ الملائكةِ لكانَ ذلكَ أجرًا كبيرًا وثوابًا جزيلًا